توقعات أسعار الذهب 2025-2026: ماذا يقول المحللون عن المستقبل؟

شهدت أسعار الذهب في عام 2025 قفزة ملحوظة بلغت أكثر من 50% منذ بداية العام، مسجلة ذروة تاريخية عند 4381 دولار للأوقية في منتصف أكتوبر. هذا الارتفاع الكبير تجاوز بكثير توقعات معظم المؤسسات المالية العملاقة مثل جي بي مورجان، مما يعكس ديناميكية معقدة في السوق تجمع بين عوامل اقتصادية وجيوسياسية متشابكة.

مع اقتراب نهاية 2025 واستعداد الأسواق لسنة جديدة، يتبادر إلى الأذهان سؤال محوري: هل سيستمر الذهب في صعوده المذهل خلال 2026، أم أن التصحيحات الكبيرة قادمة؟

تحليل مسار الذهب عبر 2024: من حيث بدأنا

لفهم توقعات الذهب 2025-2026، يجب العودة إلى الخلفية التاريخية. بدأ الذهب عام 2024 بقوة، حيث وصل إلى 2251 دولار للأوقية في الربع الأول، مدفوعًا بطلب كثيف من البنوك المركزية الآسيوية خاصة الصين، والمشتريات الاستثمارية القوية.

تتالت الارتفاعات عبر أرباع السنة:

• الربع الثاني شهد قمة عند 2450 دولار، دعمًا للتوقعات برفع الفائدة الأمريكية
• الربع الثالث أكمل الصعود إلى 2672 دولار، مع عودة المشتريات المركزية
• الربع الرابع تميز بتذبذب حاد، لكنه اختتم فوق 2660 دولار

هذا المسار الصعودي المطرد وضع الأساس لانطلاقة 2025 الأقوى.

الوضع الحالي: جنون الذهب في 2025

بدأ عام 2025 بزخم كبير. في يناير، تداول الذهب عند 2798 دولار، ثم لم يتوقف عن الارتفاع. شهر فبراير سجل 2894 دولار، ومارس قفز إلى 3304 دولار في قفزة واحدة.

ما السبب وراء هذا الجنون؟ عوامل متعددة اجتمعت:

أولاً: الركود الاقتصادي والخوف من المجهول - تزايدت مؤشرات الركود العالمي، ما دفع المستثمرين للبحث عن ملاذ آمن. الذهب، كما هو معروف، يشهد إقبالاً جماعيًا وقت الأزمات.

ثانيًا: الدولار الأمريكي يفقد قوته - ضعف الدولار بشكل ملحوظ جعل الذهب أرخص للمشترين الأجانب، وحفز الطلب العالمي.

ثالثًا: سياسات البنوك المركزية - توقعات بخفض الفائدة الأمريكية جعلت العوائد البديلة أقل جاذبية، فزاد الإقبال على الذهب الذي لا يدر فائدة لكنه يحقق مكاسب رأسمالية.

رابعًا: التوترات الجيوسياسية - نزاعات عديدة واستقطابات سياسية عميقة أقنعت المستثمرين بأن الذهب هو الحل الأمثل للحماية.

بحلول منتصف أكتوبر، لامس الذهب 4381 دولار للأوقية، مسجلاً قفزة تجاوزت 40% منذ بداية سبتمبر وحده. ثم استقر بالقرب من 4000 دولار في نوفمبر، معكسًا حالة من التوازن بين الشراء المستمر والتحفظ على المكاسب.

ماذا يقول المحللون؟ توقعات الخبراء لـ 2025-2026

المؤسسات المالية الكبرى تختلف قليلاً في توقعاتها، لكنها متفقة على اتجاه عام:

جي بي مورجان تتصدر القائمة بتوقعات جريئة: متوسط 5000 دولار للأوقية بحلول 2026، و4900 دولار في الربع الأخير من 2026. هذا يعني استمرار الصعود من مستويات اليوم.

جولدمان ساكس أكثر تحفظًا نسبيًا: 4000 دولار بحلول منتصف 2026، لكنها لا تستبعد سيناريو متفائل يصل إلى 4900 دولار بنهاية السنة.

مورجان ستانلي تركز على الطلب المادي: توقع 4500 دولار للأوقية بحلول منتصف 2026، مدعومًا بطلب قوي من صناديق الاستثمار والبنوك المركزية.

ستاندرد تشارترد متفائلة: 4300 دولار بنهاية 2025، و4500 دولار على مدى 12 شهرًا (أي بحلول نوفمبر 2026).

بنك أوف أمريكا أقل تفاؤلاً: 4000 دولار فقط بحلول الربع الثالث من 2026.

HSBC تعود للمتفائلين: 5000 دولار بحلول 2026.

ANZ توقعات وسطية: 4400 دولار بنهاية 2025، و4600 دولار بحلول منتصف 2026.

الخلاصة واضحة: معظم المحللين يتوقعون استمرار الصعود، مع نطاق توقعات بين 4000 و5000 دولار للأوقية.

العوامل المؤثرة على أسعار الذهب: ما الذي يحرك السوق فعلاً؟

لا يصعد الذهب بالصدفة. هناك مجموعة محددة من العوامل التي تدفع الأسعار:

التضخم - العدو الأول

معدل التضخم لا يزال مرتفعًا نسبيًا. في سبتمبر 2025، بلغ حوالي 3% على أساس سنوي، وهو أعلى من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. عندما يرتفع التضخم، تنخفض القيمة الحقيقية للأموال، فيلجأ المستثمرون للذهب كوسيلة للحفاظ على ثروتهم.

تاريخيًا، في 2021 و2022 عندما ارتفعت معدلات التضخم عالميًا إلى أعلى مستوياتها منذ عقود، كان الذهب الخيار الأساسي للتحوط.

قوة الدولار - العلاقة العكسية

العلاقة بسيطة: دولار ضعيف = ذهب قوي. عندما ينخفض مؤشر الدولار، يصبح الذهب أرخص للمشترين الأجانب، ما يزيد الطلب العالمي.

مثال حي: في 2020، عندما أطلقت الولايات المتحدة حزم تحفيز ضخمة لمواجهة كوفيد-19، ضعف الدولار، وارتفع الذهب إلى 2075 دولار في أغسطس.

سياسات الاحتياطي الفيدرالي - المحرك الأساسي

أي إشارة لرفع الفائدة تضغط على الذهب (لأن العوائد البديلة تصبح أكثر جاذبية). وأي توقعات بخفض الفائدة تعزز الطلب على الذهب.

في مارس 2022، بدأ الفيدرالي دورة رفع فائدة متسارعة. النتيجة: الذهب هبط من 2050 دولار إلى 1630 دولار بحلول سبتمبر 2022.

الطلب على الملاذات الآمنة - نفسية السوق

الأزمات المالية والنزاعات الجيوسياسية تدفع موجات شراء جماعية للذهب. في 2020 مع انهيار أسواق الأسهم بسبب كوفيد-19، ارتفع الذهب فوق 2000 دولار لأول مرة.

البنوك المركزية - المشترون الضخمون

مشتريات البنوك المركزية، خاصة من الأسواق الناشئة والدول الآسيوية، تظل دعامة حقيقية للأسعار. هذه المشتريات لا تخضع لتقلبات الربح السريع، بل تعكس استراتيجيات طويلة الأجل لتنويع الاحتياطيات.

الطلب على صناديق الاستثمار المتداولة

صناديق مثل SPDR Gold Shares (GLD) فتحت الباب للملايين للاستثمار في الذهب بسهولة. في 2020، اندفع المستثمرون لهذه الصناديق، وارتفعت حيازاتها بـ 700 طن، ما رفع الأسعار بشكل حاد.

المجوهرات والصناعة

لا يزال قطاع المجوهرات المستهلك الأكبر للذهب، خاصة في الهند والصين. الطلب الموسمي في أوقات الحفلات والزفافات يضغط على الأسعار عالميًا. بالإضافة للاستخدامات الصناعية المتزايدة في الهواتف الذكية والأجهزة الطبية.

المعروض من التعدين - عامل ثانوي

رغم أن الإنتاج السنوي صغير نسبيًا، أي نقص في المعروض بسبب تعطل سلاسل التوريد أو اللوائح البيئية قد يدعم الأسعار.

نصائح عملية للاستثمار في الذهب

إذا كنت تفكر في دخول سوق الذهب، ليس المهم فقط اتباع توقعات الخبراء، بل وضع استراتيجية شخصية واضحة:

1. تعلم الأساسيات أولاً

قبل أي خطوة، فهم العوامل التي تحرك أسعار الذهب ضروري. اقرأ عن التضخم، سياسات البنوك المركزية، والتوترات الجيوسياسية. المعرفة تحميك من القرارات العاطفية.

2. حدد أهدافك بوضوح

لماذا تشتري الذهب؟ للحماية من التضخم؟ لتنويع محفظتك؟ للمضاربة قصيرة الأجل؟ الإجابة تحدد أسلوبك الاستثماري.

3. قيّم قدرتك على تحمل المخاطر

رغم أن الذهب آمن نسبيًا، أسعاره تشهد تقلبات قصيرة المدى. حدد المدة التي ستحتفظ فيها بالذهب وكم من الانخفاض في السعر يمكنك تحمله.

4. لا تترك مدخراتك فريسة للتضخم

الاحتفاظ بالنقود في حسابات بفائدة منخفضة يعني خسارة حقيقية إذا كان التضخم أعلى. الذهب ثبت عبر الزمن أنه حافظ على القيمة.

5. راقب محفظتك

إذا ارتفعت قيمة الذهب بشكل مبالغ فيه في محفظتك، قد تحتاج لإعادة توزيع. استخدم التطبيقات لمتابعة الأسعار وتحليل الأداء دوريًا.

6. التزم بانضباط وصبر

التقلبات قد تغريك بالبيع أو الشراء العاطفي. لكن الاستراتيجية الناجحة تحتاج صبرًا. التزم بخطتك الطويلة الأجل.

استراتيجيات الاستثمار: قصير الأجل مقابل طويل الأجل

الاستثمار قصير الأجل

يعتمد على استغلال تحركات الأسعار اليومية أو الأسبوعية عبر عقود آجلة أو عقود فروقات.

المزايا:

• أرباح سريعة في أوقات التقلبات الحادة
• مرونة عالية في الدخول والخروج
• تحوط ضد مخاطر قصيرة الأجل

المخاطر:

• صعوبة التوقيت في الأسواق المتذبذبة
• يتطلب متابعة يومية وتحليل فني
• تكاليف إضافية (فروق أسعار، عمولات، رسوم تبييت)

الاستثمار طويل الأجل

شراء الذهب المادي (سبائك وعملات) أو الاستثمار في صناديق مدعومة بالذهب.

المزايا:

• ملاذ آمن وقت الأزمات
• حماية ضد التضخم
• لا يتطلب متابعة مكثفة

المخاطر:

• قد تبقى الأسعار راكدة لفترات طويلة
• الذهب لا يدر دخلاً ثابتًا
• تكاليف التخزين والتأمين للذهب المادي

المخاطر التي قد تعرقل التوقعات الإيجابية

رغم التفاؤل العام، هناك عوامل قد تعطل الصعود:

1. عودة الفيدرالي لرفع الفائدة

إذا عادت البيانات الاقتصادية لتظهر قوة غير متوقعة، قد يضطر الفيدرالي لرفع الفائدة بدلاً من خفضها. هذا سيجعل الذهب أقل جاذبية.

2. تحسن التوترات الجيوسياسية

انتهاء بعض النزاعات الكبيرة قد يقلل الطلب على الملاذات الآمنة، معيدًا المستثمرين للأصول الأكثر خطورة.

3. خروج جماعي من الذهب

إذا قررت مجموعة كبيرة من المستثمرين الخروج من الذهب نحو أصول أخرى (مثل الأسهم التكنولوجية)، قد تنخفض الأسعار بسرعة.

4. تقوية الدولار

إذا عادت السياسات الأمريكية لدعم الدولار، قد يعود المعدن للهبوط.

الخلاصة: هل يستحق الذهب الاستثمار الآن؟

توقعات الذهب 2025-2026 إيجابية بشكل عام، مع معظم المحللين يتوقعون نطاق 4000-5000 دولار للأوقية. لكن النجاح لا يعتمد فقط على توقعات الخبراء.

إذا كنت تريد إضافة الذهب لمحفظتك، عليك أولاً تحديد أهدافك: هل تبحث عن ملاذ آمن طويل الأجل، أم مضاربة قصيرة الأجل؟

للاستثمار الطويل الأجل، السبائك والعملات الذهبية توفر ملكية مباشرة لكن بتحديات تخزينية. للمرونة الأكبر، هناك صناديق متداولة وعقود آجلة وحتى أسهم شركات التعدين.

في النهاية، الذهب أداة قوية للحماية من التضخم وعدم اليقين. لكن الاستثمار الناجح فيه يعتمد على استراتيجية واضحة وصبر طويل الأجل، لا مجرد الاتكال على توقعات سعر الذهب المستقبلية.