لماذا قفز الذهب إلى أعلى مستياته؟ تحليل شامل لأسباب الارتفاع المحموم في 2025

منذ بداية عام 2025، شهد المعدن الأصفر صعوداً استثنائياً لم يحدث منذ عقود، حيث ارتفع بنسبة تجاوزت 47% مقارنة ببداية السنة. هذا الأداء المذهل جعل الذهب يتفوق على معظم الأصول المالية العالمية، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذا الصعود وإمكانية استمراره.

تحليل الذهب: العوامل الدافعة للارتفاع

عند تحليل أسعار الذهب، نجد أن هناك عدة محركات قوية وراء هذا الارتفاع الكبير:

السياسات التجارية والرسوم الجمركية

منذ بداية 2025، فرضت الإدارة الأمريكية الجديدة رسوماً جمركية ضخمة على الواردات من مختلف دول العالم، مما أثار مخاوف المستثمرين من تصاعد الحروب التجارية. في هذه الأجواء من عدم اليقين، اتجه رؤوس الأموال نحو الذهب كملاذ آمن لحفظ الثروة.

انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية

أعلن الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في 17 سبتمبر 2025 عن خفض سعر الفائدة من 4.5% إلى 4.25%، وهو القرار الذي دعم أسعار الذهب بقوة. في هذا الشهر وحده قفز سعر المعدن النفيس بنسبة 22.9%.

التوترات الجيوسياسية

لعبت المواجهات العسكرية في منطقة الشرق الأوسط دوراً محورياً في دعم الطلب على الذهب. تصاعد الأحداث بين إسرائيل وإيران وتهديدات قطع الملاحة البحرية في مضيق هرمز أثارت مخاوف حقيقية من تعطل سلاسل التوريد العالمية.

المخاوف من التضخم العالمي

يتوقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم العالمي في 2025 إلى 4.2%، وهي مستويات أعلى من المتوسط التاريخي. هذه التوقعات دفعت المستثمرين للبحث عن أدوات تحوط ضد تآكل قيمة العملات، وكان الذهب الخيار الأول.

الإغلاق الحكومي الأمريكي

أضاف الجدل حول استمرار تمويل الحكومة الفيدرالية طبقة إضافية من عدم اليقين في الأسواق المالية، مما عزز الطلب على الملاذ الآمن.

بيانات أساسية عن سعر الذهب

افتتحت تداولات الذهب في بداية يناير 2025 عند 2,623.82 دولار للأونصة، وشهدت ارتفاعاً تدريجياً خلال الأشهر الأولى. ثم استقر السعر نسبياً خلال الربع الثاني قبل أن يشهد قفزات كبيرة جديدة في الأشهر الأخيرة.

وفقاً لتقرير مجلس الذهب العالمي، ارتفع معدن النفيس بنحو 26% خلال النصف الأول من 2025، مع وصول حجم التداول اليومي إلى مستوى قياسي بلغ 329 مليار دولار.

دور المؤسسات الكبرى في دعم الأسعار

لم يقتصر الطلب على الذهب على المستثمرين الأفراد، بل لعبت المؤسسات دوراً محورياً:

صناديق الذهب المتداولة

شهدت صناديق الذهب المتداولة طلباً قوياً جداً، حيث ارتفعت حيازتها من المعدن الأصفر بنسبة 41%، لتصل إجمالي قيمتها إلى 383 مليار دولار.

البنوك المركزية

استمرت البنوك المركزية حول العالم في زيادة احتياطياتها من الذهب كجزء من استراتيجية التحوط ضد الصدمات الاقتصادية الخارجية.

التطورات الجيوسياسية الأخيرة

شهدت الساحة الدولية تطورات هامة أثرت على توقعات سعر الذهب:

• تصعيد الحرب الروسية الأوكرانية وتهديدات بتوسيع نطاقها الجغرافي
• التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بعد عامين من الحرب
• تجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين مع تهديدات برسوم جمركية إضافية

هذه التطورات خلقت حالة من عدم اليقين، مما استمر في دعم الطلب على الذهب كأداة حفظ للثروة.

السيناريوهات المتوقعة للأشهر القادمة

السيناريو الأول: الاستقرار النسبي

في حال استقرار الأوضاع الاقتصادية والجيوسياسية، وخفض الفيدرالي للفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في أكتوبر وديسمبر، قد يتحرك الذهب بشكل جانبي بين 3,500 و 3,600 دولار، محققاً عائداً سنوياً حوالي 34%.

السيناريو الثاني: التصعيد (الأكثر احتمالاً)

هذا السيناريو يفترض استمرار الضغوط الاقتصادية والتوترات الجيوسياسية. قد يواجه الفيدرالي معضلة صعبة بين خفض الفائدة لتجنب الركود أو رفع الفائدة لكبح التضخم. في هذه الحالة:

• الصورة المتطرفة: قد يكسر الذهب مستوى 4,000 دولار وينهي العام حول 4,400 دولار
• الصورة المعتدلة: قد ينهي الذهب العام حول 4,100 دولار بعائد سنوي يصل إلى 56%

التحليل الفني للذهب

يتحرك الذهب في اتجاه صاعد قوي منذ منتصف 2024، حيث اخترق مستويات مقاومة مهمة مثل 3,700 و 3,800 دولار.

المستويات الفنية الحالية:

• المقاومة الأساسية: 4,050 دولار
• مقاومة نفسية: 4,000 دولار
• مستوى دعم أول: 3,900 دولار
• مستوى دعم ثاني: 3,819 دولار
• مستوى دعم جوهري: 3,700 دولار

يشير مؤشر MACD إلى إشارات إيجابية مستمرة، لكن تباطؤ الهيستوجرام قد يشير إلى اقتراب تصحيح.

السيناريو الفني المرجح: تصحيح فني قصير المدى خلال أكتوبر نحو مستوى 3,820-3,900 دولار، متبوعاً بعودة صعود تدريجي خلال نوفمبر وديسمبر نحو 4,100-4,200 دولار.

استراتيجيات الاستثمار في الذهب

الاستثمار طويل الأجل

يستهدف هذا النهج الاحتفاظ بالذهب لفترة تزيد عن سنة، والهدف الأساسي هو حفظ قيمة الثروة والتحوط ضد التضخم. المؤسسات المالية والبنوك المركزية تعتمد بشكل أساسي على هذه الاستراتيجية.

الاستثمار قصير الأجل

يتضمن البيع والشراء المتكرر خلال فترات أقل من سنة، بل قد تقتصر على تحركات يومية. هذه الاستراتيجية تتطلب فهماً عميقاً لأدوات التحليل الفني والأساسي.

خيارات الاستثمار المتاحة:

• شراء الذهب المادي بشكل مباشر
• الاستثمار في صناديق تداول الذهب المتخصصة
• الاستثمار في أسهم شركات التعدين
• التداول عبر العقود الآجلة

التنويع المحفظة والنسبة الموصى بها

يوصي خبراء الاستثمار بتخصيص نسبة من 15% إلى 20% من المحفظة الاستثمارية للذهب، وذلك لامتصاص الصدمات المفاجئة في الأسواق وتقليل المخاطر الإجمالية.

الخلاصة والتوقعات

يشهد تحليل الذهب لعام 2025 نقطة تحول هامة، حيث ارتفع المعدن النفيس بشكل غير مسبوق في العقود الأخيرة. هناك احتمالية قوية بأن تستقر أسعار الذهب بنهاية الربع الأخير من العام حول مستويات 4,100 دولار للأونصة.

لكن لتحقيق أرباح حقيقية من تحركات أسعار الذهب الحالية، يجب على المستثمرين أن يتسلحوا بمعرفة عميقة بأساليب التحليل الفني والأساسي، مع إدارة صارمة للمخاطر والالتزام بخطة استثمارية واضحة ومحددة مسبقاً.